ما هو موقف المعلم او المعلمة من التلميذ الذي يترك لمدرسة في خلال الدوام المدرسي ،ويخرج دون إذن مسبق!!؟
هل نسخر منه ونتهكم عليه ونوقع عليه اقصى العقوبات!!؟
ام اننا نساله عن السبب ،ونفسح امامه الفرصة لشرح ظروفه!؟
يعتبر الهروب من المدرسة من المشاكل الخطيرة التي يواجه بها الاباء والمعلمون،وخاصة اذا عرفنا ان الهروب يعد اول خطوة على سلم الجناح...فالتلميذ الهارب يبدأ البحث عن مكان يختفي فيه عن الانظار...ومثل هذه الاماكن تعتبر موبوءة وتثير الشبهات،ويكثر فيها ارتكاب الجرائم والجنح والاعتداءات...وهكذا يجد التلميذ نفسه فجأة وسط دوامه غريبة من الاحداث وغيرها،مما يؤثر في سلوكه ،ويغير من عاداته ،ويدفعه الى الجناح ،ويسبب له الكثير من المشاكل الخطيرة مثل التدخين او السرقة ،للحصول على المال وانفاقه في امور مختلفة.(1)
إن هروب الطلاب من المدرسة له عدة أسباب منها :
------------------------------------------------
• الأسباب الاجتماعية. وترجع إلى كبر حجم الأسرة فالأسرة التي يزيد عدد الأفراد بها أكثر من خمسة تكون عملية المتابعة من جانب الآباء صعبة خصوصا بالنسبة للعملية التعليمية لمعرفة نقاط الضعف لدى الطالب أو التلميذ بالمدرسة وكذلك عدم وجود التواصل بين الآباء والمدرسة من خلال انعقاد مجالس الآباء التي تقريبا أصحبت قليلة الحدوث .
• الطفل الغير اجتماعي الانطوائي الذي لا يستطيع التكيف مع أقرانه بسبب بعض الاضطرابات الأسرية مثل انفصال الأب والأم أو الطلاق أو الجو الأسري المتشبع بالمشاجرات والصدمات النفسية .
• عدم قدرة الأب المادية في الصرف على عدة أطفال بالمدرسة وعدم التغذية السليمة التي تحتوي على المواد الاساسية لعملية التعلم والاستذكار فهذا يؤدي إلى التأخر الدراسي وبالتالي يؤدي إلى التسرب من المدرسة خوفا من العقاب أو الفشل وهذا يزداد عندما يهمل المدرسين التلاميذ الضعاف دراسيا في مادة من المواد أو أكثر في نفس الوقت عدم قدرة الأسرة المادية على إعطاء هؤلاء التلاميذ ما يحتاجونه من دروس التقوية .
• الفقر الشديد وعدم استطاعة الأب الصرف على أبنائه لقلة دخل الأسرة وحاجة الأب لعمل أبناؤه للحصول على الأموال من خلال أجورهم لسد احتياجات المعيشة فهذا يؤثر على التلميذ فيفضل العمل على المدرسة . وذلك من خلال إحساسه بأهمية المال على التعليم في سن مبكرة وهذا العمل لفترة قصيرة خصوصا في الإجازات الصيفية فإن الطالب يرفض الذهاب إلى المدرسة أو إذ ضغط عليه فإنه بعد فترة يترك المدرسة إلى العمل مرة أخرى .
• طريقة التدريس الغير واعية وعدم قدرة المعلم الحديثي التخرج على توصيل المعلومة والشرح الوافي وعدم استخدام وسائل الإيضاح مثل أمية الوالدين وعدم قدرتهم على مساعدة أبنائهم من الناحية العلمية .. إن دور الآباء في الشرح والتفهم بالمنزل لا تقل أهمية عن دور المدرسة ..
• تعرض التلميذ للتوبيخ والإهانات من المدرسين أمام أقرانه في المدرسة لعدم إجابته على الأسئلة التي توجه إليه أو نتيجة لحصوله على درجات بسيطة او رسوبه في بعض المواد أو إهماله في مظهره أو نسيانه لكتبه أو كراساته مما يؤدي إلى الضيق من المدرسة والهروب منها .
• عدم توافر أنواع الأنشطة المختلفة بالمدرسة مثل النشاط الرياضي والموسيقى والفني الذي يستوعب طاقات التلاميذ ويزيد من قدرتهم على الاستذكار والمنافسة وتحقيق الطموحات .
• جو المدرسة الصادم بمعنى التعامل الصارم مع الأولاد بالضرب أو الفصل أو التهديد المستمر من قبل أعضاء هيئة التدريس في المدرسة أو مدير المدرسة لبعض التجاوزات التي يرتكبها بعض الطلاب ..
• مصاحبة رفاق السوء حول التلميذ وجذبهم إليهم كأن يصور له أن المدرسة ليس لها قيمة أو التعليم لا يساوي شئ وأن العاملين في حقل الورش مثل الوظائف المهنية البسيطة تكسب أموالا كثيرة وأن مدة التعليم طويلة على الحصول على المكسب المادي ...
• من أهم الأسباب الاجتماعية أن بعض المجتمعات مثل المجتمعات الريفية أو في صعيد مصر تهتم بعض الأسر فيها بتشغيل البنات في المنزل مع أمهاتهم على سبيل المساعدة فهذا يستهلك قدر كبير من طاقة الفتاة وصحتها فلا تستطيع التواصل بالمدرسة أو قد يؤدي بها إلى الفشل مرة ومرة حتى ينتهي الأمر بتركها للمدرسة واختيار الزواج .
• وهناك أسباب بالمدرسة حيث إن بعض المدارس لا تضع خطة لمتابعة حالات الهروب والتسرب من المدرسة أو التلاميذ المنقطعين عن الدراسة مما يزيد من هذه المشكلة ومما يزيد من عدد هؤلاء المتسربين ..
• شعور التلميذ بالعجز والعنف عن متابعة الدراسة ومواصلة التعليم وذلك إما لأسباب اجتماعية مثل عدم موالية التعليم الأهمية الكبرى من جانب الأبوين أو عدم تلبية احتياجات الطالب من الملبس المناسب والمكان المناسب للمذاكرة .
• وهناك أسباب في الطالب نفسه حيث إن قدرته على الاستيعاب ضعيفة ناتجة عن قلة في الذكاء وعدم القدرة على المذاكرة مدة كافية .
• الإصابة بالأمراض المزمنة من الإصابة باطفيليات التي تمتص المواد الغذائية فيصاب بالأنيميا أو فقر الدم أو الهزال أو الإصابة بأمراض القلب التي لا يستطيع معها بذل أي جهد أو مرض السكر لدى الأطفال أو التلاميذ خصوصا مع تزايد نوبات الغيبوبة السكرية أو عدم انتظام السكر في الدم مما يؤثر على طريقة الفهم والاستيعاب ...
• الإصابة بالأمراض النفسية مثل الخوف من المدرسة أو المعلم خصوصا إذا تعرض التلميذ لبعض الخبرات الصادمة مع قبل المدرسين والإصابة بمرض مثل مرض الفصام حيث إنه يؤثر في درجة الفهم والاستذكار وكذلك يؤدي إلى اضطراب العلاقات بين التلميذ وزملاؤه والمدرسين مثل حالات الانطواء أو الانزواء ومنها ترك المدرسة حتى لا يتعرض لبعض الانتقادات أو الاستهزاء ..
• في بعض الأسر يحدث الهروب من المدرسة بعد وفاة الأب أو إصابته بمرض يقعده عن العمل ففي هذه الحالة تعتمد الأسرة اعتمادا كبيرا على التلميذ أو الطفل في سد حاجات الأسرة من خلال خروجه من المدرسة وإلحاقه بإحدى الورش لتعلم صنعة للصرف على باقي أفراد الأسرة الأم والأخوات الآخرين .
• زواج الأب من أكثر من امرأة مما يعرض بعض أبناؤه للإهمال وعدم المتابعة نظا لأنشغاله بأولاد الزوجة الثانية ومن العادات السيئة في الريف أو صعيد مصر هو زواج البنت المبكر وتشجيعها على ترك المدرسة ..
• أيضا ترك أولياء الأمور الأولاد دون قيد في سجلات القيد الحكومية وفي هذه الحالة يكونوا أكبر سنا وأكبر حجما من زملائهم فلا يستطيعون التعامل معهم والتواصل معهم أو عكس ذلك وهو دخول الطفل المدرسة قبل السن القانوني فيكون ضعيفا وغير قادرا على مواصلة العملية التعليمية .
• تقليد بعض التلاميذ لأبيهم أو أخيهم الكبير الذي لم يتعلم وأخيرا بخل بعض الآباء للصرف على أبنائهم أو إعطاءهم المصروف عند الذهاب إلى المدرسة .)2(
وهكذا تعتبر هذه المشكلة غاية في الاهمية،ويجب التركيز عليها،ومحاولة العمل على علاجها بأقصى سرعة ممكنة.
والهروب من المدرسة قد تكون جزئيا او كليا ...اي ان التلميذ قد يحضر الى المدرسة صباحا ويداوم لفترة محدة،ثم يخرج هاربا بعد ذلك _وهذه هي الحالة الاولى التي نعرضها هنا.والحالة الثانية هي أن يخرج التلميذ من منزله صباحا ،ولا يحضر الى المدرسة على الاطلاق.وقد يفأجأ بالمعلم او الاب الذي يكتشف امره...!!
وفيما يلي ،مناقشتنا للحالة الاولى :وهي التي يحضر فيها التلميذ الى المدرسة في الصباح ،ثم يتركها بعد ذلك ،ويكتشف امره احد معلميه ،مما يؤدي الى اتصال ادارة المدرسة بالمنزل والتأكد من عدم وجوده به :
هنا،وفي مثل هذا الموقف،ماهو دور المعلم؟هل هو مجرد التنبيه بان التلميذ غير موجود بالمدرسة؟ام ان دوره اكبر من ذلك بكثير؟
الحقيقة أن من الواجبات الأولى للمعلم،كأب ورائد اجتماعي،أن يتيح الفرصة أمام التلميذ حتى يبعد عما في نفسه من مشاكل،ويتمكن بذلك من الكشف عن خبايا نفسه وعن جذور المشكلات التي يعاني منها.
وليعلم المعلمون جميعا أن الطفل أو المراهق لا يهرب من مكان إلا إذا كان يسبب له آلاما نفسية عميقة ,أو كان قد تعرض لإهانة معينة , أو كرهه لسبب أو لأخر ...وعلينا في هذا الموقف أن نوجه لأنفسنا عدة تساؤلات,منها :ما الذي يجب علينا عمله على الفور لإشعار التلميذ أو الابن الهارب بالراحة النفسية وحتى نهدئ من نفسه الثائرة كالبركان الملتهب ؟...وكيف نخفف الضغوط ونقلل من الصراعات التي يعاني منها ؟
وفي الحقيقة ,إن الكلمات الطيبة ,وتأييد الموقف ولو بأسلوب غير قاطع ,والتعاطف مع التلميذ بالرضا عن النفس ,وبان هناك من يرغب في مساعدته ,ويقف إلى جواره ويدافع عنه ضد التيارات الجارفة العنيفة التي تعترضه .
ولكن علينا الحذر في مثل هذا الموقف من التهكم على التلميذ الهارب والسخرية منه,أو معاقبته على الفور ...كما أن علينا أن نتمالك أنفسنا, فلا نثور ونتهور,وأن نبتعد تماما عن الانفعال ,وأن نعالج الأمور بحكمة واتزان ,حتى نتمكن من استعادة واستماله أبنائنا إلينا مرة أخرى ...وإلا فلت منا الزمام.
الخروج من المنزل صباحا وعدم الذهاب إلى المدرسة نهائيا
ما هو موقف المعلم في مثل هذه الحالة ؟أيتدخل ,أم يترك هذا الموقف لولى أمر التلميذ فقط.!؟
وهل من واجبات المعلم ,إذا رأى التلميذ خارج المدرسة ,أن يقوم بتأنيبه !!؟
أم يغض النظر عن التلميذ ,ويتجاهل وجوده في هذا المكان !!؟
اضافة الى ما سبق توضيحه بخصوص مشكلة الهروب من المدرسة ،ومالها من اهمية وخطورة ،يجب علينا ان نؤكد ان المدرسة ليست مكانا لتخويف التلاميذ وارهابهم ،وانما هي مكان يجب ان نعمل على ترغيبهم فيه...فاذا استقبلنا التلاميذ ورحبنا بهم في غرفة الصف،وسألنا عنهم دائما اذا تغيبوا،فسيشعر كل تلميذ منهم بالاهتمام ،وتصبح غرفة الصف بذلك مكانا محببا الى نفوس الجميع،ويعى كل تلميذ الى الحضور الى المدرسة،ولا يحاول التغيب الا لاسباب قوية.
والتلميذ الهارب ،يكره المدرسة ولا يرغب في الحضور اليها ،ويعتبرها مكانا غير مرغوب فيه،ويشعر فيها بالخوف والرهبة،ويحاول الابتعاد عنها،بل ويخلق الاسباب التي تمكنه من ذلك.
والواقع ان على المعلمين جميعا ان يعيدوا انظر في مثل هذه الامور،وان يولوها مزيدا من الاهتمام،وان يوجهوا الى انفسهم دائما سؤالا مهما،هو:لماذا لا يحضر التلميذ الى المدرسة ويهرب؟فمن الممكن ان يكون الصف مكانا غير مرغوب فيه وغير مستحب لدى الطالب...ومن الممكن ان يكون المعلم نفسه غير مرغوب فيه ...ومن الممكن كذلك ان تكون المادة الدراسية جامدة،جافة،صعبة،بعيدة عن الواقع والمنطق،ولا يرغب التلميذ فيها...ومن الممكن ايضا ان تكون طريقة التدريس المتبعة صعبة وعقيمة وقديمة،مما يجعل التلاميذ لا يفهمون المادة التي تعرض عليهم...وقد تكون الاساليب التعليمية المستخدمة روتينية مملة للتلاميذ وغير مشوقه لهم.
اما الامتحانات فهي من الاسباب القوية التي تؤدي الى هروب الطالب ،وتدفع التلميذ الى البحث عن مكان اخر ،وعدم الحضور الى المدرسة في يوم الامتحان،لصعوبتها وتكرارها والاسلوب الذي تطبق به...ولذلك فان الجهد والعبء الكبير يقع بالضرورة على عاتق المعلم الذي عليه ان يصل مع نفسه الى الاجابة الصحيحة عن السبب المباشر لهروب التلميذ من المدرسة...بعد ذلك عليه ان يحاول علاج الامر ،بان يضع الحلول المناسبة والمتمشية مع التلاميذ ،وحتى يستميلهم اليه،ويرغبهم فيه وفي غرفة الصف،جاعلا هدفه الاول ان يعيد احتضان تلاميذ اليه مهما كان الامر...ومن السهل عليه تحقيق ذلك ،لان التلميذ ما هو الا انسان عادي يتغير بتغير الظروف والاوضاع المحيطة به.
وعلينا ان نعلم ان غرفة الصف ليست بامبراطورية ،يهيمن عليها دكتاتور يسمى بالمعلم ،والذي يامر فيطاع،ولا يشرك في حكمه احدا...ربما يكون ذلك هو الوضع في صف التلميذ الهارب ،لان الطبيعة البشرية تميل بالانسان الى ان يكون له دور في الحياة،وان يعترف به،وان يكون ايجابيا ،وان تكون له مكانته في أي مكان يتواجد فيه...فهل سلبت منه الحقوق وحكمت عليه بالسجن في غرفة الصف؟هل غرفة الصف مكان خال من العواطف؟
ان الفرد يحب ان يشعر دائما بالحب والعطف والحنان...فلنعمل على توفير مثل هذا الجو والمناخ الطيب والمناسب في غرفة الصف ،ولنعمل على ان يكون جميع تلاميذ الصف اسرة واحدة تربطها مشاعر الحب ،ولنربطهم بالمدرسة ،ولنرغبهم في المعلمين ،وبذلك نتمكن من علاج مشكلة الهروب من المدرسة بشكل طبيعي وغير مفتعل.)3(
(1)د.سعدية محمد بهادر:دليل الاباء والمعلمين في مواجهة المشكلات اليومية للاطفال والمراهقين،مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ط2،الكويت ،1984،ص172-182.
(2) د.سعدية محمد بهادر مرجع سابق ،
(3) د.سعدية محمد بهادر مرجع سابق ،
بحث جميل يجب الاطلاع عليه ويقرأه جميع المعلمين والأخصائيين